الحمد لله :
الله عز وجل محمود قبل حمد الحامدين وقبل شكر الشاكرين ... والحمد والثناء حق لله وملك له .
الفرق بين الحمد والمدح :
1-المدح للحي ولغير الحي ... والحمد للحي .
2-المدح قبل الإحسان وبعده ... والحمد بعد الإحسان .
3-المدح منهي عنه لحديث ( احثوا في وجوه المداحين التراب ) ... والحمد مندوب ، ورد به كثير من الأحاديث والآيات .
الفرق بين الحمد والشكر :
الحمد عام سواء وصل الإنعام إلى الحامد أم لا .
الشكر مختص بالإنعام الواصل إلى الشاكر .
الرب :
المالك والسيد والمصلح والمدبر والقائم على رعاية خلقه وتربيتهم .
العالمين :
كل موجود سوى الله عز وجل ، وهو أنواع كعالم الإنسان والنبات والحيوان والجن والذر ...
الرحمن :
ذو الرحمة العامة الشاملة لكل ما هو مخلوق ، وهذا الاسم أبلغ من الرحيم ، وهو اسم خاص بالله عز وجل لا يصح أن يوصف به أحد غيره .
الرحيم :
اسـم خـاص بالـمـؤمنين الـذيـن اسـتجابوا لله وسـاروا على نـهـجـه.
بسم الله الرحمن الرحيم "وَكَـانَ بِالْــمُـؤْمـِنِـيـنَ رَحِيمًا" صدق الله العظيم .
فمن كان مؤمنا مطيعا فله معاملة خاصة ، وسكينة تلقى في قلبه ، فأن يتجلى عليك الله شيء وأن يطعمك شيء آخر .
إياك نعبد :
كلنا خاضعون لله عز وجل ، وهذه رحمة من أن يتكرر خضوع البشر لبعضهم البعض ، فسجدة لله عز وجل تنقذ الإنسان من ملايين السجدات لغيره من البشر ممن مكنهم الله ببعض الأسباب .
إياك نستعين :
نطلب العون والتأييد والتوفيق ... وطالب المعونة لابد أنه قد استنفذ أسبابه .
المغضوب عليهم :
جنس للفرق التي تعمدت الكفر والفسوق والعصيان ، واستخفت بالدين عن عمد أو عن تأويل بعيد جدا ...( مثل اليهود ) .
الضالين :
جنس للفرق التي أخطأت الدين عن سوء فهم وقلة إصغاء ... ( مثل النصارى ) .
الأحكام الفقهية
حكم الاستعاذة :
في رأي جمهور العلماء أنها مندوبة في كل قراءة في غير الصلاة ... وقد أجمع العلماء على أن التعوذ ليس من القرآن ولا آية منه .
أما في الصلاة ...
قال المالكية : تكره الاستعاذة قبل الفاتحة .
وقال الحنفية : يتعوذ في الركعة الأولى فقط .
وقال الشافعية والحنابلة : يسن التعوذ سرا في أول كل ركعة قبل القراءة .
حكم البسملة :
هل هي آية من السورة أم لا ؟ .... وهل يجهر بها في الصلاة أم لا ؟
الخلاف في هذه المسألة لن ينتهي ، ولكل فريق دليله من السنة النبوية المطهرة ـ على صاحبها صلوات الله وسلامه ـ ومن أقوال الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم أجمعين .
وهنا لابد أن يلتزم الجميع أدب الخلاف ، كما التزمه الصحابة رضوان الله عليهم يوم بني قريظة ، لأن لكل حجته من النص أو من فقه النص ، ولو شاء الله لجعل الدليل قطعيا كما جاء في كثير من المسائل والأحكام .
ونكتفي بنقل كلام ابن القيم رحمه الله ، في الجزء الأول من كتابه " زاد المعاد " حين تحدث عن القنوت في الفجر والجهر بالبسملة :
( والإنصاف الذي يرتضيه العالم المنصف أنه صلى الله عليه وسلم جهر ، وأسر ، وقنت ، وترك ، وكان إسراره أكثر من جهره ، وتركه القنوت أكثر من فعله ، فإنه إنما قنت عند النوازل ..... فإذا قلنا لم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم المداومة على القنوت في الفجر ، ولا الجهر بالبسملة ، لم يدل ذلك على كراهية غيره ولا أنه بدعة ، ولكن هديه صلى الله عليه وسلم أكمل الهدي وأفضله ) .
حكم الجهر والإسرار بالتأمين :
قال الحنفية والمالكية : الإسرار بالتأمين أولى من الجهر .
وقال الشافعية والحنابلة : يجهر بالتأمين فيما يجهر به من القراءة ، ويؤمن المأموم مع تأمين إمامه .
المعنى العام للسورة
" أعوذ بالله من الشيطان الرجيم "
طالما أنك استعذت بالخالق والتجأت إليه ، فأنت إذا في معيته ، فلن يجرؤ عليك المخلوق ، ولن يمسسك سوء بإذن الله .
" بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ "
بسم الله ... دخول تحت راية الله عز وجل ، وإقرار بأن الله صاحب الفضل الحقيقي في الأسباب ، ومشيئته نافذة في النتائج ... فليس معنى اكتمال النواميس الكونية أنها انفلتت من قدرة الله عز وجل ...
الرحمن الرحيم ... بلوغ المراد رهن برحمة الله عز وجل ، فبرحمته سبب الأسباب ، وسخر لنا ما في الأرض وما في السماوات ، وبرحمته كذلك وعفوه عن تقصيرنا وذنوبنا تستجيب لنا الأسباب والمسخرات فتؤتي ثمارها .
" الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ "
الحمد لله ... شعور مستمر في وجدان المؤمن الحق ، يتحرك به قلبه في كل لحظة ...
يستشعر دائما نعم الله عز وجل عليه ، بدءا بنعمة الإيجاد من العدم وانتهاء بنعمة الإسلام ، مرورا بنعم الأمن والإطعام ، وما لا يحصى من النعم .....
رب العالمين ... استكمالُُ لعقيدة التوحيد ، فهو الله المعبود الذي خلق الخلق وشرَّع لهم ، وهو كذلك الذي يدبر أمر خلقه في كل لحظة من لحظات حياتهم .
لتطمئن القلوب إلى أن كل ما في الكون مؤتمر بأمر الله سائر وفق مشيئته وحده .
" الرَّحْمـنِ الرَّحِيمِ "
تؤكد هذه الآية على أصل العلاقة بين الله عز وجل وخلقه ، فالإله المعبود لم يشرع لخلقه العبادات والتكاليف ليشق عليهم ، والربوبية ليست تسلطا وقسوة على المربوبين .
وإنما تشريعه رحمة وربوبيته رحمة ، ولذلك استحق الحمد باسم الإله المعبود قبل أن يُحمَد باسم الرب ، مع أن العبادة تستلزم تكليفا ، والتكليف في حد ذاته يعني المشقة ، لكن حين يشقى المهتدي بضلال الضالين ، ويرى الناس أن لا بديل لشرع الله عز وجل إلا قانون الغاب ، يدركون حينها أن الرحمة مبثوثة في هذه التكاليف التي تأخذ العالم نحو الاستقرار ، لينشغل البشر بإعماره وفق مراد الله .
- - -
تحدثت الآيتين عن التوحيد الكامل الشامل لله عز وجل ، فهو الإله المكلِّف الذي يستحق العبادة ، وهو المربِّي الذي لا تنقطع رعايته لخلقه لحظة من اللحظات .
ثم قررت أن هذه الألوهية والربوبية إنما هي رحمة من الله بخلقه .
وهنا فريقان ... أحدهما يسارع مقبلا على الله طوعا ، لكن ربما يعتريه الضعف البشري ، ليظن أنه قد أشقى نفسه بهذه التكاليف ، بينما استراح منها من خرجوا عنها وسعدوا في الدنيا .
وفريق يستمر في الإعراض ، ربما يقبل على الله خوفا ورهبا ...
فتأتي الآية التالية تتحدث عن يوم الدين ، ليطمئن الفريق الأول ويزداد إيمانا ويقينا بالله عز وجل ... وتصل الرسالة قوية تهدد أصحاب الفرقة الثانية ...
" مَـلِكِ يَوْمِ الدِّينِ "
إن الإيمان بيوم الدين هو الذي يضبط حركة الحياة على وجه الأرض ، فحين يدرك الإنسان أن الحساب والجزاء ينتظران في الآخرة كل لحظة من لحظات حياته ، لابد أن يسعى جاهدا في ضبط أفكاره وسلوكه .
" إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ "
ينتقل الأسلوب من الغَيبة إلى الخطاب ... حين تستقر هذه المعاني السابقة في ذهن الإنسان يستشعر حضورَ الله عز وجل وقربَه منه ، فيخاطب ربه مقبلا عليه . يقر على نفسه بالعبودية ، ويعلن براءته من كل حول وقوة سوى حول الله عز وجل وقوته .
" اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ "
تطبيق عملي للآية السابقة ، فرأس العبادة الدعاء والتذلل لله عز وجل ، وإعلان الحاجة الدائمة لله عز وجل وتوفيقه ومعونته ...
" صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ "
ومن العبادة الدخول في زمرة الصالحين والتزام الجماعة المسلمة والاقتداء بالصالحين ... وأهم ما يطلب المسلم من ربه أن يرزقه سلامة الفكر ، إذ أن انضباط الفكر سبب لانضباط السلوك .
وبذلك تكتمل لدينا الملامح الرئيسية لرسالة الإسلام ...
-الله عز وجل هو المعبود وهو المشرع لخلقه ، لا نقبل غير حكمه .
-والله عز وجل هو الرب المدبر لشئون خلقه ، كل ما في السماوات والأرض طوع أمره ورهن مشيئته ... فلا تُطلَب المعونة إلا منه عز وجل .
-لأن الله عز وجل هذه صفاته ، فهو أهل الحمد والثناء ، بل إن الحمد والثناء حقا خالصا له عز وجل لا ينبغي لأحد في الحقيقة سواه ... والحمد والثناء مشاعر يستشعرها المؤمن نحو ربه ويتحرك بها قلبه قبل أن يتحرك بها لسانه .
-العلاقة بين الله عز وجل وخلقه قائمة على الرحمة ، فرحماته عز وجل لا تنقطع عن خلقه منذ لحظة الميلاد إلى الأبد .
-الإسلام دين أمة وجماعة ، وليس عبادات فردية يؤديها العابد في محرابه .
-الدين قابل للتطبيق ، وإقامته ليس أمرا معجزا للبشرية ... " صراط الذين أنعمت عليهم " ...
-المؤمن الحق يعلن حاجته لله دائما ، لا يفارقه الدعاء والثناء على الله عز وجل على كل حال ، مستشعر دائما معيَّة الله عز وجل .
تأتي بعد ذلك سور القرآن تفصل ما أجملته أم الكتاب [b]